حول التربية العاطفية للأبناء في عصرنا..
حول التربية العاطفية للأبناء في عصرنا.. الخميس,22 تشرين الأول 2015 الموافق 9 محرّم 1437هـ خورشيد: مجال وجداني هو الأهم في تربية الطفل وإهماله فساد كبير |

يعاني عالمنا المعاصر من أزمة تربوية خطيرة ناتجة عن سيطرة القيم المادية على سائر القيم في الحضارة العربية والغربية المعاصرة؛ مما أدى إلى إختلال القيم نفسها؛ وتعد التربية؛ في جميع مجالاتها الثقافية والفكرية والسياسية والاجتماعية ؛من الأهمية الواجبة للخروج من هذه الازمة التي يعاني منها العالم اليوم؛ بل أجد أن التربية العاطفية (الوجدانية ) هي الأساس والاهم في تربية الأطفال إن لم نقل إنها اللبنة الاساس في بناء شخصية الإنسان؛ الآيلة إلى بناء مجتمع سوي ومتقدم.
لذا وقبل البدء في طرح موضوع أهمية التربية العاطفية لابد من بيان ما إذا كانت القيم الوجدانية متأصلة في شريعتنا الغراء المستمدة من الكتاب والسنة النبوية؛ آخذين بعين الاعتبار والتقدير أهمية الدراسات والابحاث التي يقوم بها تربويو العالم الاسلامي المعاصر؛ وجهد مفكرية من علماء الاجتماع ورجال التنمية البشرية المعاصرة والتربية الروحية؛ وسعيهم للاجتماع وتدارس ما آلت إليه الامة الاسلامية من انحرافات في جميع المجالات علهم يجدون ضالتهم التي تعيد الأمة إلى طريق القيم الانسانية السليمة وإلى طريق الرشاد.
ومن هنا نتساءل ونتدارس دور التربية العاطفية (الوجدانية) في تربية الطفل خاصة وتربية النشء الجديد عامة في الحوار التالي مع د. في الإرشاد التربوي شيرين خورشيد:
تعريف المفاهيم
* بداية ما هو مفهوم التربية العاطفية وما أهميتها في التربية الإسلامية؟
– أولا علينا تبيان نقطتين اثنتين:
الأولى: مفهوم التربية العاطفية.
الثانية: مصادر مفهوم التربية العاطفية.
اما مفهوم التربية العاطفية فالمقصود من العاطفة (الوجدان) إنه الاستعداد والميل الفطري الداخلي الذي يشكل دعامة حب الإنسان لاخيه الإنسان، وعلى أساس الاستعداد الفطري يستطيع الانسان أن يظهر ميوله الباطنية. فالنفس الإنسانية لها صفاتها؛ ومن صفاتها أنها تهوى ولها أهواء؛ وتشتهي ولها شهوات ؛وتشعر بالمشقات؛ وتصبر أو تضجر وتخاف أولا تخاف؛ وتخشى أولا تخشى؛ وتجود أو تبخل وتشح؛ وتحسد أولا تحسد؛ وترضى اولا ترضى؛ وتقنع أو تطمع؛ وتدرك أولا تدرك…. إلى غير ذلك من الصفات هي من قبيل المشاعر الوجدانية والادراكية، والاستعداد العاطفي في الإنسان يؤدي إلى نمو الكثير من هذه الصفات؛ وهذه الصفات تظهر في الإنسان استنادا لمحبة الآخرين؛ من قبيل المحبة والصداقة؛ والفداء والإيثار؛ والعفو والصفح؛ والجود والبذل؛ والتعاون والشفقة والرحمة والمواساة، وبما أن العائلة هي المؤسسة الاولى والوحيدة التي ينبغي أن تنمو فيها العواطف الإنسانية عند الاطفال فالمحبة والعاطفة التي تنثر على الطفل من قبل الأم والأقارب لا يمكن أن يتلقاها من أي شخص آخر؛ فلا يمكن لأي حاضنة أو ممرضة أو قابلة أن تلعب دور الأم الطبيعي في حياة الطفل؛ أو أن تشغل مكانها.
فمرحلة الطفولة هي أهم مرحلة من مراحل الحياة؛ بل هي أهم مرحلة لاشباع جميع الحاجات والمطالب النفسية التي يتطلبها الأطفال؛ قبل أن يصبحوا أفرادا عاملين وفاعلين في المجتمع؛ ومنهم سيتكون المجتمع الفاعل والمنتج؛بل المجتمع الفاضل.
ومما لا شك فيه أن التربية العاطفية جانب من جوانب التربية المعرفية والتربية السلوكية المنتجة شخصية الفرد السوي، والتربية العاطفية قد ذكرت في القرآن الكريم في عدة مواضيع نتحدث عنها لاحقا (حينما نتحدث عن مصادر تلقي التربية العاطفية).
أما في الإسلام فالتربية العاطفية هي التربية الموجهة من الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم لتغيير وجدان الإنسان المسلم تغييرا يتفق والاهداف المرتبطة بالرسالة الخاتمة والدور الذي يقوم به المسلمون أفرادا وجماعات في حمل منهج الله إلى خلقه؛ وهي التربية التي تتناول أساسا العواطف والإنفعالات، التكوين الوجداني عامة؛ وتعني إسلاميا تربية المشاعر والأحاسيس والعواطف والإنفعالات والإرادة الحرة القوية؛ وأثر كل ذلك في الشخصية الاسلامية التي هي الحقل المنتج للتربية الاسلامية.
مصادر التربية العاطفية
* وماذا عن مصادر التربية العاطفية ؟
– لا شك في أن التربية العاطفية (أوالوجدانية) هي إحدى جوانب التربية الإسلامية والتي أهتم الاسلام بها؛ فقد اهتم الإسلام بجوانب الحياة الإنسانية الروحية والجسدية والعقلية والخلقية والإجتماعية وكذلك الوجدانية، وبالتالي نجد أن مصادر التربية العاطفية (الوجدانية) هي مصادر التربية الإسلامية والتي يبني على ضوئها نظام التربية في المجتمع المسلم خاصة والمجتمعات الاخرى عامة.
وهذه المصادر هي: أولا القرآن الكريم ويعد القران الكريم المصدر الأساسي للتربية الإسلامية لما يتضمنه من تشريعات وتوجيهات تربوية تهدف إلى إصلاح النفس البشرية في الدنيا والآخرة؛ وبخاصة أنها وردت من لدن خالق عظيم لهذا الإنسان؛ كما أنه ثقة صادقة لا يعتريه النقص ولا التحريف ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد.
وقد ورد المعنى العاطفي (الوجداني) في مواضع كثيرة من القرآن الكريم بألفاظ مختلفة تدل على الجانب الوجداني كالنفس والقلب والخوف والحزن وغيرها.
قال تعالى: {فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى}، وقوله تعالى: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آَثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا}، وعدد كبير من الآيات.
أما في السنة المطهرة فقد وردت جوانب التربية الوجدانية في أحاديث نبوية عديدة نذكر منها:
ما قاله البعض للمسلمين «أَتُقَبِّلُونَ صِبْيَانَكُم».. فقيل «نَعَمْ»، فَقَال أحدهم: لَكِنَّا وَاللَّهِ مَا نُقَبِّلُ، إن لي عشرةٌ من الولد ما قبّلت واحداً منهم» فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «وما َأَمْلِكُ إِنْ كَانَ اللَّهُ نَزَعَ مِنْكُمُ الرَّحْمَةَ».
الإهمال يسبب فساد سلوكي
* برأيكم ما هي أهمية إشباع هذه الناحية في أساليب التربية..؟
– عادة ينصب اهتمام المربين في تربية الطفل على الجانب المعرفي والسلوكي؛ بحيث يتجاهل عدد كبير منهم الجانب العاطفي، فالطفل لديه حاجات ومتطلبات وجدانية يجب تنميتها والاهتمام بها وإشباعها ليتقبل ما يعرض عليه ويتفاعل معه ويكتسبه، والذي نقدمه للطفل من حب؛ لا يكون إلا بالتربية السليمة المتكاملة الشاملة بمجالاتها الثلاثة؛ المعرفية؛ والوجدانية؛ والسلوكية؛ وأكاد أجزم أن المجال الوجداني هو الأهم في تربية الطفل منذ ولادته؛ فاشباع الطفل غير مشروط؛ مع الإهتمام بالجانب المعرفي يساعدنا في التوصل إلى السلوك السوي للطفل دون أي تعب.
* وما أثر هذا الاشباع العاطفي في التربية؟
– هناك الكثير من الآثار الإيجابية منها أنه:
– يجعل تربية الطفل متوازنة شاملة ومتكاملة.
– يعمل على تنمية شخصية الطفل لتحقيق ذاته.
– يعمل على تمتعه بالصحة النفسية والعقلية السلمية.
– يؤثر مباشرة على سلوك فرد سوي محب ومحبوب في مجتمعه وبيئته.
– يعمل على تهذيب وتوجيه حاجاته الخاصة بوسيطه واعتدال دون إفراط ولا تفريط.
فتعديل السلوك الصحيح لدى الطفل لا يكون بما يعتمده العامة من الوسائل التربوية المتاحة لدى الاهل وهي العقاب والثواب عموما ومبدأ المكافأة أو مبدأ الحرمان؛ بل تعديل السلوك لدى الطفل يحتاج الى إشباع الطفل عاطفيا لذاته وليس لتغيير سلوكه ويجب أن يكون الإشباع العاطفي قبل حدوث الخطأ في السلوك؛ يجب زرع كمية من الحب والإشباع العاطفي للطفل مبكرا؛ فمبدأ التربية العاطفية هو اشباع الطفل للإحتياجات العاطفية والنفسية منذ ولادته إلى بلوغه؛ فحبه من الآخرين غير مشروط؛ بل هو حب نابع من عاطفة الأمومة لهذا الطفل؛ نابع من حب لشخصه؛ لأنه نعمة من نعم الله علينا؛ حب لذاته من غير انتظار مقابل (لكي يبروهم عند الكبر)؛ حب لذاته وليس لشكله ولا لتصرفاته ولا بكيفية تعامله معنا .
وسائل التربية العاطفية
* كيف يكون إيصال هذا العطاء العاطفي للأطفال، أو بصيغة أخرى ما هي الوسائل التي نستطيع من خلالها إيصال العاطفة للأطفال؟.
– إعطاء الحب لهذا الطفل يكون باعتماد قنوات التواصل التالية:
أولا… التواصل العيني:- وهو أن تكون عينا الأم بعين الطفل حين محادثته. والهدف أن يرى مدى حبها له في عينيها؛ وإن دّل هذا على شيء فإنما يدل على الإهتمام؛ فمنذ ولادته؛ وبنظرة الأم للوليد حين إرضاعه يبدأ الطفل باستقبال هذا الحب؛ فيشعر الطفل بالأمان وبعدها بالقبول إلى أن يصل إلى التشجيع حينما يكبر.
ثانياً التواصل الجسدي: وهو احتياج نفسي واحتياج غريزي؛ فتقبيل الطفل وحضنه أو الجلوس بقربه أو في بعض الاحيان النوم بقرب والديه جميعها من الوسائل للإشباع العاطفي للطفل مما يجعله لا يبدأ بالبحث عن الحب والتلامس خارج البيت.
وثالثا حسن اختيار الوقت الخاص: وهو في وقتنا الحالي أغلى من الحاجات الثلاث وخاصة في وقتنا الحالي وقت عمل الأم والأب لنيل المال لكي يعيشوا حياة سوية؛ ومنها وضع الطفل في الحاضنات أو جلب خادمة الى البيت؛ فالأم والأب منهمكان بتدبير المال؛ مع أن المهم هو احتياج الأبناء للإشباع العاطفي الذي من الصعب تعويضه.
وفي الختام ندعو الأسر كلها إلى عدم إهمال هذا الجانب لأن معظم المفاسد التي نراها في مجتمعنا اليوم إنما في أغلبها تعود أسبابها إلى فقدان أو إهمال في هذا الجانب من التربية.
حوار: منى توتنجي