أحدث الأخبار

دور للأندية الرياضية في حماية الشباب من الإنحراف؟


بعدما كثرت الفتن وتعددت المغريات

الخميس,12 تشرين الثاني 2015 الموافق 30 محرّم 1437ه

أي دور للأندية الرياضية في حماية الشباب من الإنحراف؟

 

من جماليات الدين، دين الإسلام انه دين الشمولية، ومن دلائل شموليته انه اهتم بالإنسان روحاً وبدناً فوفر للروح حاجتها وأسباب سعادتها، وفي ذات الوقت لم يهمل البدن وعوامل قوامه وقوته ودعا للإهتمام به فقد قال رسول الله صلى الله عليه سلم «المؤمن القوي خير واحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير».

فالسنة النبوية الشريفة مليئة بالأمثلة التي تبين أهمية الرياضة في حياة الإنسان المسلم إذ ذكر أبو هريرة رضي الله عنه وفي وصف مشية رسول الله صلى الله عليه سلم فقال: «ما رأيت أحد أسرع من رسول الله صلى الله عليه سلم كأنما الأرض تطوى له، انا نجهد أنفسنا وهو غير مكترث».

ومن هنا نرى ان الإسلام يدعو إلى ممارسة الأنشطة الرياضية المفيدة ورغب الرسول بها وكان يوجه الصحابة إليها لما فيها تقوية للأجساد والمحافظة على سلامتها..

فالرياضة مهمة في ملء الفراغ عند الشباب بما هو خير حتى لا يكون هناك مجال للإنحلال والفساد وبذلك يتم توجيه طاقات الشباب إلى ما هو نافع وتحقيق التمتع لهم بما هو مفيد من خلال تنمية روح التعاون وتربيتهم على اخلاقيات الفرسان كالقوة واحترام التنافس، وتنمي فيهم روح التعاون والمنافسة الشريفة الهادفة بين الأفراد والجماعات، كما تحسن الرياضة تعامل الإنسان مع الآخرين فتدفعه إلى الصدق والاخلاق والاخلاق الكريمةفالرياضة وسيلة للحد من الإنحراف السلوكي عند الشباب

فكيف تكون الرياضة مفصلاً للحد من الإنحراف السلوكي والأخلاقي عند الشباب، وكم هو ضروري الإهتمام بهذا القطاع لما له من أهمية في حياة الإنسان المسلم، وهذا ما سنعرضه في تحقيقنا التالي:

مزوق
*
بداية تحدث إمام مسجد المجيدية الشيخ وسيم مزوق: إن الإسلام دين عـظيم راعى جميع جوانب حياة الإنسان وأمره بالاهتمام والمحافظة على جميع النعم التي أعطاه إياها ومنها نعمة الصحة والجسد، فالنفس التي هي عبارة عن مجموع الروح والجسد، المؤمن مأمور بالحفاظ عليها (يعني نفسه)، ولذلك حفظ النفس من الكليات الخمس (الدين، النفس، العقل، النسب، والمال) التي يجب صونها، فالروح تتطلع إلى السماء وترقى لأنها شفافة وترقى بتزكيتها وذكرها لله تعالى، وأما الجسد فكثيف له دوافعه وشهواته وحاجاته وفيه الجوارح والأعضاء التي هي بمثابة الأدوات لتحقيق جميع ما يسعى إليه الإنسان من أجل دنياه وآخرته، فكما يوجد رياضة فكرية وروحية وتفكر بمخلوقات الله تعالى، يجب شرعاً الإهتمام بالرياضة الجسدية والقوة البدنية ليسخرها العبد المسلم في العبادة وخدمة دين الله والجهاد في سبيل الله تعالى وخدمة المجتمع، قال عليه الصلاة والسلام: «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير» رواه مسلم، قال العلماء: إن الله عز وجل مدح القوة إذا استخدمت وفق ضوابط الشرع، وتحكم فيها صاحبها ووجهها للاصلاح قال تعالى في حق طالوت، وبيان سبب اصطفائه: {إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم، والله يؤتي ملكه من يشاء والله واسع عليم}، كما امتدحها الله لدى سيدنا موسى عليه السلام {يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين}، أما إذا استخدمت في الظلم والطغيان، أو لم تصل بصاحبها إلى معرفة الله وتعظيمه، فهي مذمومة قال تعالى: {وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة}، فلم يكن للأجسام قيمة من غير توجيهها لمحاسن الأخلاق، وترسيخ القيم الرفيعة، ويقول عليه الصلاة والسلام: «ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب» رواه البخاري، من هنا نعلم أهمية القوة في الإسلام وقد قال تعالى: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة…}، والرياضة من الوسائل الفعالة لتقوية الجسم وتقويمه، فإنها تكون مطلوبة شرعاً لتحقيقها هذه المصلحة، فنحن مأمورون بإعداد القوة وتعهد الجسد، ولا يكون ذلك إلا بوسائل منها:

{ غذاء الجسم وتعهده بالغذاء الحلال، ومنها الرياضة المنضبطة بضوابط الشرع فلا يأخذ ما يضر بالجسد من مخدرات ومنشطات حتى تكون الرياضة وسيلة لتقوية الجسم، مما يمكن العبد من طاعة ربه في جد ونشاط لأنه لا بدّ أن ينوي بهذه الرياضة التقوى على طاعة الله وليس تربية العضلات من أجل مصاحبة البنات (والعياذ بالله تعالى) وعليه أن لا يضيع وقت الصلاة وأن لا يدخل الأندية المختلطة التي تضع الأغاني

وأضاف: إن الرياضة المنضبطة بحدود الشرع من الدين لأن هناك فهماً خاطئاً عند بعض النّاس حيث يظن الرياضة واللعب من الأمور التي يجب أن يبتعد عنها المسلم باعتبارها لهواً يبعد المسلم عن العبادة والذكر، ويقلل من درجة احترامه بين النّاس أو يجعلهم يشكون في علمه وسلوكه وتدينه، فقد روي عن النبي صلى الله عليه سلم أنه قال: «كل شيء ليس من ذكر الله لهو ولعب إلا أن يكون واحداً من أربعة: ملاعبة الرجل امرأته، وتأديب الرجل فرسه، ومشي الرجل بين الفرضين، وتعلم السباحة» (انظر كنز العمال). فالسباحة وتأديب الفرس يمثلان الرياضة المطلوبة من المسلم والرسول صلى الله عليه سلم نفسه روى أنه سبق فرسه وبعيره وصارع وصرع ركانة وكان يسابق زوجته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وكان يمر بالشباب وهم يلعبون ويسلم عليهم ويدعو لهم، فقد روي عن ابن العالية أن الرسول صلى الله عليه سلم مر بفتية وهم يرمون فقال: «ارموا يا بني إسماعيل فإن أباكم كان رامياً» (انظر مجمع الزوائد)، ويقول سيدنا علي رضي الله عنه: روحوا القلب ساعة بعد ساعة فإن القلب إذا كلَّ عمي.
وقال كذلك: «إن القلوب تمل كما تمل الأبدان فأقيموا لها طريق الحكمة» (انظر إحياء علوم الدين)، وروي عنه صلى الله عليه سلم أنه قال: «حق الولد على الوالد أن يعلمه الكتابة والسباحة والرماية ولا يرزقه إلا حلالاً طيباً» (انظر الجامع الصغير للسيوطي). ولذلك كان سيدنا عمر رضي الله عنه يرسل للأمصار توجيهاً تربوياً بالتربية البدنية والاهتمام بها فقد أرسل إلى ساكني الأمصار وولاتها يقول: أما بعد فعلموا أولادكم السباحة والفروسية وارووا لهم ما سار من المفصل وحسن الشعر (انظر كنز العمال). واختتم قائلاً: الرياضة يجب أن تكون جزءاً من التعليم، قال أبو حامد الغزالي رحمه الله تعالى: «وينبغي أن يصرّح له بعد الفراغ من المكتب أن يلعب لعباً جميلاً يستفرغ إليه تعب الكتاب بحيث لا يتعب من اللعب فإن منع الصبي من اللعب، وإرهاقه بالتعليم دائماً يميت القلب ويبطل ذكاءه، وينغص العيش عليه حتى يطلب الحيلة من الخلاص منه رأساً».

خورشيد
*
أما د. شيرين خورشيد الاخصائية في الإرشاد التربوي فقالت: قبل الشروع في الحديث عن دور الرياضة في تهذيب السلوك وأهميتها في حياة الشباب من الإنحراف خصوصاً ومدى اثرها في حياة الإنسان، وقبل ان نتساءل هل وصى رسول الله صلى الله عليه سلم بالإهتمام بالرياضة؟ وهل هي من منهج الله عز وجل لهذا الإنسان؟
فالهدى هو منهج الله تعالى ان طبقه الإنسان على الأرض نال السعادة، فالجسد المكون من تراب وماء وكلاهما طاهران له سنن كونية في منهج الله تعالى كثيرة تبدأ منذ الصباح الباكر إلى حين ينام هذا الإنسان ليلاً، واما الروح فلها سنن كونية ربانية ان طبقها تسلم هذه الروح فتكون روحاً طاهرة وليست خبيثة وتسلم هذه الروح من جميع الأمراض النفسية وبخاصة من أمراض النفس الأمارة بالسوء.

وأضافت: وهناك الأحاديث الكثيرة المذكورة بالنسبة للمحافظة على سلامة الجسد في كتاب الطب النبوي لابن القيم الجوزية وفيه سنن ان طبقناها في حياتنا اليومية عافانا الله من الأمراض والأسقام، ولهذا الجسد أيضاً من التكاليف التي أمرنا الله عز وجل ان نفعلها الرياضة، فرياضة البدن من السنن الكونية التي امرنا بفعلها من عدّة أبواب منها ما يعد فرضاً ومنها ما يعد سنة، ومنها المباح ومنها ما يعد من الوسائل التربوية الأساسية التي يتربى عليها الطفل منذ نعومة اظفاره، اما بالنسبة للفرض فحينما قال تعالى: {واعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم} أمر الله عباده المؤمنين بتقوية البدن وممارسة الرياضة من التدريب على الركض والرمي والسيف وغير ذلك. واضافت: فالمؤمن القوي سليم الجسم احب إلى الله من المؤمن الضعيف فالقوة هنا قسمان قوة العقيدة وهي باب لقوة الموقف والرأي وقوة الجسد وهو باب لمواجهة العدو والدفاع عن النفس والعرض والمال، اما الروح فجميع التكاليف الربانية هي نفسها رياضة مثل الصلاة والحج والصيام، وغيرها من التكاليف الكثيرة ان طبقت سمت روحه إلى النفس المطمئنة محارباً النفس الامارة بالسوء التي تأمره بالفحشاء والمنكر.

اما الرياضة البدنية وممارساتها وما لها من فوائد صحية فهي تنقي الجسد من جميع ادرانه ومن مخلفاته التي تساعده على تقوية عضلاته وتنشيط الدورة الدموية، فمن أهم وسائل التربية ان نعرف عليها المربي (الأهل والمعلمين) شرع في وضع برنامج زمني منذ الطفولة المبكرة لكي نحمي شبابنا وفتياتنا من الإنحراف الأخلاقي ومن أنواع الرياضة التي حثنا عليها الشرع هي المشي والسباحة والرمي والفروسية.

وأضافت: ولنا ان لا ننسى ما للرياضة من اثر في تنمية الروح الرياضية عند ممارستها فهي تعودهم على قبول الخسارة كما يرغبون بالربح، كما تعودهم على حب العمل الفريقي، وتنمي روح التعاون بين أفراد الفريق وتكون باباً لتنمية الشعور بقبول الآخر والاعتراف به وبقدراته وباختلاف آرائهواختتمت قائلة: الرياضة باب أساسي في صفاء الروح الإنسانية من الضغائن والحقد والحسد والانانية وحب الانتقام وليس من جديد ما تقوله عن قدرة تنمية هذه الروح الصافية والمحبة للايثار عند الأنصار نتيجة التآخي الذي فرضه رسول الله صلى الله عليه سلم على الأنصار والمهاجرين، ففي هذه المؤاخاة تجلّت صفات الصفاء الروحي فسادت بينهم المحبة والاخوة والايثار والتعاون فربحت تجارتهم ونمت دولتهم وعظمت سلطتهم بين الأمم.    

تحقيق: منى توتنجي