القيم الأخلاقيّة الواردة في كتب التّربية الإسلاميّة (كتب المرحلة المتوسّطة من التّعليم الأساسيّ في لبنان) إعداد الدكتورة شيرين لبيب خورشيد
مقدّمة
الحمد لله ربّ العالمين والصّلاة والسّلام على سيّد المرسلين سيّدنا محمّد المبعوث رحمة للعالمين ليخرجهم من الظّلمات إلى النّور وعلى آله وصحبه الغرّ الميامين.
قال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا}.ـ
نجد في يومنا الحاضر تقصيراً كبيراً وابتعاد كثير من المسلمين عن تطبيق المنهج الذي بيّنه الله لنا عن طريق جميع الرّسل في جميع مجالات الحياة: «الاجتماعيّة والاقتصاديّة والتّربويّة والإعلاميّة والبيئيّة…».ـ
فإذا أردنا سعادة الدّارين والنّجاة في الدّنيا والآخرة علينا تنفيذ منهج الله والعودة إلى كتابه وسنّة رسول الله والاستسلام لهذا المنهج الرّبّانيّ الشّامل الصّالح لكلّ زمان ومكان مع العلم أنّ البشريّة لم تصل ولن تصل إلى منهج آخر يسير بهم نحو السّعادة والخير.
وإذا أردنا تنفيذ هذه الأهداف لا بدّ أن نتخطّى المصاعب والأهوال التي تعترضنا، ونواجه المحاذير والأخطار التي تتهدّدنا، من هنا كانت خطوتنا هذه.. بداية خير وبركة.. بإذن ربّ العالمين، لإرشاد أبناء المسلمين إلى الطّريق الصّحيح الذي يجب أن يسيروا عليه ليلحقوا بركب أجدادهم الأوائل الذين حقّقوا في الحياة سعادة ونجاحاً، وفي الآخرة رضًى وكرامة.
هذه المنهجيّة التي سنتّبعها مستقاة من الكتاب المبين، وسنّة رسول الله ، فإنّنا وضعنا خطّة تربويّة تدرّجت من صفّ الحضانة إلى الصّفّ الثّاني الثّانويّ، فهي تتدرّج في تربية المتعلّم مع مراعاة عمره والفروق الفردية في كلّ مرحلة ومراعاة التّربية النّفسيّة والاجتماعيّة لكلّ عمر، منطلقة من الجزء إلى الكلّ ومستفيدة من الكلّ للجزء. اعتمدت المنهجيّة في بداية عمر الطّفل على معرفته للمحسوس دون المجرّد، والتّدرّج معه بمعرفة الأمور المجرّدة إلى المحسوسة متّخذة من سيرة رسول الله في هذه المنهجيّة مثالاً.
وقد كتب علماؤنا قديماً في التّربية وخاصّة في علم النّفس التّربويّ، واهتمّوا بنفسيّة المربّين والمتعلّمين منه ماتجده عند ابن جماعة في: «تذكرة السّامع والمتكلّم في أدب العالم والمتعلّم»، أمّا عند الغزاليّ فقد استفاض في هذا المجال في كتابه: «إحياء علوم الدّين» حيث حرص على التّربية النّفسيّة والرّوحيّة والاجتماعيّة والعقليّة والتّربية الجسميّة والتّربية الأخلاقيّة للفرد المسلم.
ومنهم أيضاً الإمام ابن الجوزيّ وأبو نعيم الأصبهانيّ في الخامسة للهجرة وابن سحنون الأندلسيّ في كتابه: «آداب المعلّمين». وقد تميّزت التّربية لديه بعد الانفتاح الذي ساد والتّعامل مع الدّول المجاورة الأوروبّيّة بالانفتاح والشّفافيّة وعدم التّمييز العنصريّ، وممّن كتب شذرات في علم النّفس التّربويّ وكان لي ولله الحمد حظّ الاستعانة ببعض مراجعهم الزّرنوخيّ في «تعليم المتعلّم طريق التّعلّم» وعن أبو الحسن القادسيّ في «الرّسالة المفصّلة لأحوال المتعلّمين» و«أحكام المعلّمين والمتعلّميمين» و«أدب الإملاء والاستملاء» لابن السّمعانيّ، و«تهذيب الأخلاق لمسكويه» و«بيان العلم» لابن عبدالبر وغيرها الكثير.
أوّلاً: عرض سريع لكيفيّة وضع هذه المناهج:
عيّنت منسّقة التّربية الإسلاميّة عام 1999م للصّفوف كافّة، وشعرت حينها بعد اطّلاعي على كتب التّربية الإسلاميّة من صفّ الحضانة إلى التّاسع الأساسيّ، ووجدت خللاً في التّدرّج في التّربية وبُعد أطفالنا وطلاّبنا عن السّير في منهج الله، وشعرت بالتّقصير في ثلاثة أمور:
الأولى: منها طريقة تدريس المعلّم فهو بحاجة إلى دورات تأهيليّة لجذب الطّلاّب إلى حبّ هذه المادّة.
ثانيها: المناهج المتّبعة وقد كان لي شرف الاطّلاع على عدّة دول عربيّة، أيضاً شعرت بعدم عودة هؤلاء المربّين القدامى.
والتّدرّج في تربية الطّفل.
ثالثها: الكتاب المقرّر لدى الطّلاّب وبعدهم الشّديد عن هذا الكتاب وكأنّه وصمة التّخلّف لدى المسلمين.
منذ ذلك الوقت ودأبي هو البحث عن الأمور التّربويّة إلى ما آل إليه المسلمون اليوم وما هو السّبب في تخلّف المسلمين اليوم.
وبدأت مسيرة البحث عن الحقيقة خلال التّحضير والبحث عبر المراجع التّربويّة السّالفة الذّكر، وعبر لقاءات الأساتذة الكرام الذين لهم الباع الطّويل في الأمور التّربويّة إلى أن يسّر الله لي بداية موفّقة بإذن الله في كتابة: «قَصص نبويّة بأسلوب تربويّ جديد» معتبرة هذه المنهجيّة هي بداية السّير في تربية الأطفال بعيداً عن كتاب التّربية، ولكنّ العمل بحاجة لإكمال ما ينقصه…
فهذه المنهجيّة جاءت بعد دراسة متأنّية لكتاب: «هكذا ظهر جيل صلاح الدّين وهكذا عادت القدس…».
وهذه الدّراسة كانت بناء على الأساليب التي وصلت بالأمّة إلى حال من الضّياع وتكالب الأمم السّابقة عليها.
دراسة متكاملة لمدرستين: الأولى: مدرسة إحياء علوم الدّين بعد تنقيح كلّ الشّوائب منها ومعرفة التّوحيد الصّحيح الذي نزل على قلب رسول الله ، والبعد بعداً تامّاً عن مذهبَيْ الصّوفية والأشعريّة التي نشأ عليها الإمام أبي حامد الغزاليّ، واقتصرت على التّزكية وغرس الأخلاق الحميدة.
درست جميع كتب الإمام الغزاليّ، ونقّحت الشّوائب المتعلّقة بالتّربية، وسطّرت منهجيّته في تربية الطّفل من كتاب “أيّها الولد” وكيفيّة تربية الطّفل.
أمّا المدرسة الثّانية: فهي مدرسة عبدالقادر الجيلانيّ: أيضاً درست الكتب لإكمال ما نقص في المدرسة الأولى التي أخرجت لنا صلاح الدّين الأيّوبيّ.
وهذا بناءً على كتاب «هكذا ظهر صلاح الدّين الأيّوبيّ وهكذا عادت القدس» للدّكتور ماجد عرسان الكيلانيّ .
مع العلم درست جميع كتب الدّكتور ماجد عرسان الكيلانيّ وبناءً على هذه الدّراسات وضعت الخطّة المتكاملة التي تمّت بإشراف الدّكتور غسّان منير سنّو، وحزت في نهاية الإعداد على إجازة بوضع مناهجَ تربويّة.
اطّلع عليها الدّكتور المشرف الأوّل على أطروحة الدّكتوراة: «الدّكتور منير سعد الدّين عانوتيّ» فقال لي بعد الاطّلاع: «يجب تأصيل هذه الدّراسة…» وهذا ما كان.
كان هدفي من باب التّجديد في مناهج التّربية تحديداً هو توحيد كتاب التّربية الإسلاميّة لجميع أبناء الأمّة وليس في لبنان فقط.
لذا أطروحتي هذه بعد تحليل محتوى كتب التّربية الإسلاميّة… هدفها الوصول إلى الخلل الذي تعيش به الأمّة منذ عام 35هـ حين مقتل عثمان بن عفّان، وتفرّق الأمّة إلى الفرق التّ تحدّث عنها رسول الله …
عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «تفرّقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، أو اثنتين وسبعين فرقة والنّصارى مثل ذلك، وتفرّقت أمّتي على ثلاث وسبعين فرقة»([1]).
وفي حديث آخر: «ليأتينّ عل أمّتي ما أتى على بني إسرائيل حذو النّعل بالنّعل حتّى إن كان منهم من أتى أمّة علانية لكان في أمّتي من يصنع ذلك، وإنّ بني إسرائيل تفرّقت على ثنتين وسبعين ملّة كلّهم في النّار إلاّ ملّة واحدة» ، قال: من هي يا رسول الله؟ قال: «ما أنا عليه وأصحابي»([2]).
وبعد العودة إلى دراسة القرون الأولى التي تربّى عليها الصّحابة الكرام حتّى حازوا على خير القرون قرني ثمّ…
فإنّ من الأهمّيّة العودة إلى التّجديد ألا وهو إحياء ما اندثر من القيم والأخلاق، وللعلم أنّ كلمة قيم لم يتمّ تداولها بين التّربويّين، وأنّها كانت تسمّى الأخلاق أو تزكية النّفس لدى الأصوليّين في القرون الأولى، مع تحديد متى بدأ التّربويّون انتهاج «القيم» بدلاً من الأخلاق وتزكية النّفس، وسيتمّ شرحها في طيّات أطروحتي.
ثانياً: ما اشتملت عليه هذه المنهجيّة من أهداف معرفيّة ووجدانيّة وسلوكيّة:
المحور الأساسيّ لهذا العلم هو معرفة الإنسان بكلّ نشاطاته ووظائفه النّفسيّة والجسديّة وانعكاس ذلك على التّربية لأهدافاً وأساليبَ وتقويماً، فمعرفة مرحلة الطّفولة والبلوغ والرّشد والذّكاء والحواسّ والإدراك والانتباه والنّسيان والتّصوّر والتّخيّل واللغة والتّفكير والقدرات العقليّة من استنباط وتحليل وتعليل، والدّوافع والميول والحاجات والإرادة والفروق الفرديّة والمجاميع العصبيّة…وتحت كلّ واحدة من هذه التّصوّرات وتقسيمات وتفصيلات.
ففي المستوى المعرفيّ مثلاً اتّبعنا تحديد الأهداف التّربويّة. الاهتمام بالذّاكرة والاستيعاب والتّطبيق و«التّحليل والتّركيب ومنها اتّبعنا في التّصنيف الوجدانيّ والسّلوكيّ، فاعتمدنا في هذه السّلسلة على المبادئ التي تفسّر أهمّيّة خلق الإنسان وما يحيط به والمجتمع الذي يعيش فيه.
أمّا بالنّسبة إلى الإنسان:
فهو كائن مخلوق وأنّ كلّ البشر مخلوقين من نفس واحدة وكلّنا نرجع إلى فرد واحد هو سيّدنا آدم .
الإنسان كائن بين عالمين عالم الشّهادة والغيب، ومفتاح الصّلة بين هذين العالمين كامن في القلب «عقلاً ووجداناً وبصيرةً».
أن الإنسان مكرّم وهو في أحسن تقويم {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [الإسراء: 70] {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التّين: 4] .
أنّ ربّنا سبحانه في تكريمه لهذا الإنسان خلقه من تراب ونفخ فيه من روحه وأسجد ملائكته له {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} [الحجر: 29].
وأنّه علّمه الأسماء كلّها {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا} [البقرة: 31]، {عَلَّمَهُ الْبَيَانَ *} [الرحمن 4]، {عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ *} [العلق: 5].
وأنّه حامل للأمانة {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً *} [الأحزاب: 72].
إنّ في هذا الإنسان مضغة «القلب» إذا صَلُح صَلُح الجسد كلّه وإذا فسد فسد الجسد كلّه ألا وهي القلب.
أنّ النّفس الإنسانيّة قد سوّيت وألهمت الخير والشّرّ وأنّ الإنسان متأرجح بين التّزكية والتّدنيس {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشّمس: 7 ـ 10] .
أنّ كلّ مخلوق ولد على الفطرة، وأنّ أبويه يهوّدانه أو يمجّسانه أو ينصّرانه {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} [الرّوم: 30] .
أنّ الحكمة من عمل الإنسان هو امتحانه في هذه الدّنيا {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} [هود: 7] .
وعلى الإنسان طاعة الله ، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} [الذّاريات: 56] .
وأنّ في دائرة التّكليف كلّ قد سخّر وذلّل لهذا الإنسان {سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ} [لقمان: 20] .
والفطرة هي أصل الخلقة الرّبّانيّة قبل أي انحراف أو تغيير أو تبديل إنسانيّ تربويّ أو غير تربويّ…
وعمل التّربية بالنّسبة للفطرة يمكننا أن نختصره في أمرين:
1 ـ تهذيب الفطرة وصقلها وتنميتها بمبادئ الإسلام وعقائده وأحكامه ومقاصده.
2 ـ إصلاح ما فسد منها أو انحرف عن مساره الرّبّانيّ بتأثير من المؤثّرات الخارجيّة أو الدّاخليّة «الهوى، المجتمع، الإعلام…» فالخير هو الأصل والنّفس تؤدّب أي ترجع إليه.
وقد قسمت هذه الأهداف من الصّفّ الحضانة للصّف الثّاني ثانويّ وما بين أيديكم الأهداف من الصّفّ السّابع إلى الصّفّ التّاسع أساسيّ، وقد وضعت عناوين الأهداف المعرفيّة والوجدانيّة والسّلوكيّة لكلّ درس قرّر في هذه المنهجيّة من الصّفّ الأوّل أساسيّ إلى الخامس أساسيّ.
أمّا ثالثاً: ماهي الأهداف المتوخّاة من العمل:
حرصنا في هذه المرحلة العمريّة «من عمر ثلاث سنوات إلى عمر ثماني عشرة سنة» على الاهتمام بفطرة الإنسان وأهمّيّة إبعاد الطّالب عن وساوس شياطين الجنّ والإنس، والأهمّ من ذلك ترسيخ الدّعوة إلى الله وذلك بتعلّم أساليب الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر خلال فترة خمس سنوات، بالأسلوب الشّيّق المتتبّع لجميع أنواع التّكنولوجيا الحديثة لكي نغرس في نفوس الطّلاّب أنّ هذا الدّين صالح لكلّ زمان ومكان وأنّه باستطاعته تطبيقه، وليس عسيراً عليه العودة إلى تطبيق منهج الله ، وما كنّا لنهتدي لولا أن هدانا الله، وقد تركّزت هذه المنهجيّة على النّقاط التّالية:
- الانفتاح على الثّقافات الأخرى.
- الشّفافية في عرض المنهج.
- المساواة.
- التّدرّج.
- المثابرة.
- التقوى.
- الاستقامة.
رابعاً: طريقة العمل في وضع المنهجيّة التّعليميّة:
- الرّجوع إلى كتاب الله .
- الرّجوع إلى سنّة رسول الله .
- الرّجوع إلى كتابات العلماء المسلمين في التّربية النّفسيّة والسّلوكيّة والوجدانيّة.
- مراجعة كتب التّربية الإسلاميّة المعتمدة في لبنان والدّول العربية.
- وضع المسوّدة الأولى للمنهجيّة التّعليميّة العامّة، لكلّ صفّ على حدة «في مادّة التّربية الإسلاميّة».
- وضع المنهجيّة التّعليميّة لكلّ درس على حدة.
وبذلك نكون قد وضعنا اللبنات الجديدة في التّعديل في السّلوك المعرفيّ بطريقة عرضه بأسلوب شيّق وأسلوب جديد في عرضه متّبعين أساليب التّكنولوجيا الحديثة لشدّ ذهن الطّالب.
أمّا التّعديل الوجدانيّ: رأينا كيف أنّ التّغذية الرّاجعة في هذا العصر أصبحت بعيدة جدّاً عن أصلها الذي وجدت من أجله، فعزّزنا هذا الجانب أكثر من أيّ جانب آخر فكلّ ما يحدث من التّذكير والإيضاح عند البالغين هو الإدراك العقليّ ولا علاقة له بالانفعال الوجدانيّ ما لم يكن قد تمّ غرسه بالفعل أثناء الطّفولة، فمنذ الطّفولة ثبت علميّاً أنّ التّكوين النّفسيّ الوجدانيّ للشّخصيّة الإنسانيّة إنّما يتمّ ويتبلور في مرحلة الطّفولة حتّى نهاية مرحلة التّكليف لذا يجب إعطاء الجانب التّربويّ النّفسيّ الوجدانيّ والرّوحيّ أهمّيّة كبيرة. فإنّ الإيمان بالأمور المجرّدة هو الأساس في إيمانيّات الإنسان {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} [البقرة: 3] والذي لا يمكن أن يتمّ بالعين المجرّدة ولا عن طريق العقل بل عن طريق الإيمان بالأمور الغيبيّة التي تحرّك الوجدان والقلب.
كما عزّزنا السّلوك العمليّ عبر نشاطات عمليّة داخل الصّفّ وخارجه مع الأهل وغيرهم ممّن يحيطون بالطّالب فالهدف الأساسيّ هو نقل الإيمانيّات إلى سلوكيّات تطبّق على أرض الواقع.
كما ركّزنا على تعلّم عدّة مهارات وأهمّها: مهارة الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، فمرحلة الطّفولة التي يتمّ فيها البناء النّفسيّ والوجدانيّ تنشأ معه العواطف، وتتشكّل به المفاهيم ويتكوّن عليه الوجدان. ففي مرحلة الطّفولة يجب أن ينشأ ويعلم معاني التّكافل والرّحمة والتّضحية والإيثار ومشاركة الضعيف والعاجز والمحتاج لذا حرصنا أن يكون التّعليم بالوسائل المقروءة والمسموعة والمرئيّة عبر مخالطة المحرومين والعاجزين والمعوقين وخدمتهم وتقديم العون لهم وإدراك معاني حاجاتهم ومعاناتهم لتكون الرّحمة والايثار طبعاً في نفوس هؤلاء الأطفال.
لقد جاء الإسلام برسالة وحدة الإنسان وعالميّته التي جعلت منه كلاًّ واحداً متكاملاً فكان مجتمع التّوحيد والإخاء والعدل والرّحمة والمساواة.
وسيكون واضحاً في كتابي هذا الذي بين أيديكم الجهد المبذول في التّحضير لأطروحة الدّكتوراه في كلّيّة الإمام الأوزاعيّ بعنوان: «القيم الأخلاقيّة الواردة في كتب التّربية الإسلاميّة ـ كتب المرحلة المتوسّطة من التّعليم الأساسيّ في لبنان» لتسليط الضّوء على الخلل في المناهج المتّبعة في هذه الكتب.
ولكن قدّر الله وما شاء فعل، تعرّضت لوعكة صحّيّة ممّا جعلني أتوقّف عن السّير لإكمال المسير فيما بدأت بإعداده.
مع العلم أنّه لم يبقَ لي سوى تحليل الكتب المنتقاة من عدّة مدارس للمرحلة المتوسّطة …ولأهمّيّة البحث العلميّ لهذه الأطروحة ولكي يستفيد منها عدد كبير من الغيورين على أبناء الأمّة الإسلاميّة، لإكمال المسير فيما بدأت بإعداده.
ندعو الله تعالى أن يسدّد خطانا لما يحبّه ويرضاه وأن يجعلنا من عباده المخلصين، والحمد لله أوّلاً وآخراً وما توفيقي ولا اعتمادي إلاّ على الله.
ربّنا تقبّل منّا أعمالنا واجعلها خالصة لوجهك الكريم، اللهم خلّص نيّاتنا وقلوبنا من حبّ الدّنيا وشهواتها واجعل علمنا وعملنا دوماً ابتغاء وجهك الكريم وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.
د.شيرين لبيب خورشيد
بيروت، يوم الجمعة
26 جمادى
الأولى – الموافق 1 2 2019م
([1]) رواه التّرمذيّ، كتاب الإيمان، باب هذه الأمّة، حديث رقم 2643 وفي الباب عن سعد وعبدالله بن عمرو وعوف بن مالك.
([2]) رواه البخاريّ، كتاب الشّهادات، باب لا يشهد عليّ شهادة جور إذا أشهد حديث رقم 2652، ورواه مسلم، كتاب فضائل الصحابه، باب فضل الصحابة ثمّ الّذين يلونهم حديث رقم 211 (2533).