محاضرات

القيم الأخلاقيّة الواردة في كتب التّربية الإسلاميّة (كتب المرحلة المتوسّطة من التّعليم الأساسيّ في لبنان) إعداد الدكتورة شيرين لبيب خورشيد

المبحث الأوّل

تعريف القيم وأسسها ووظائفها

أوّلاً: مفهوم القيم:

الحمد لله الذي خلق فسوّى وقدّر فهدى، وشرّع لنا من الدّين ما يرضاه، وبيّن لنا الحكمة من خلق الإنسان في القرآن الكريم، وهي استخلافه في الأرض، وتخويله فيها وابتلاؤه بها واستئمانه عليها لوقت محدود، وإلى يوم موعود، لا يعلمه إلاّ الله، قال تعالى: {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ *} [الحديد: 7] .

قال تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ *} [الشّورى: 13] .

أنزل الله شرائعه لتكون المهيمنة على حياة النّاس، والحكم بينهم، وذلك بعدما وعد الله آدم وذرّيّته من بعده، أنّ الله سيرسل لهم تعليمات تبيّن لهم دينه الذي اصطفاه لهم، وهذا الدّين يعرّفهم المنهج الذي يصلح حياتهم وينقذهم من الضّلال والشّقاوة في الدّنيا والآخرة: {قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى *} [طه: 123] .

وسيتمّ ذلك عبر الرّسل والمرسلين والمنذرين قال تعالى: {رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا *} [النّساء: 165] .

{وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} .

ومن الضّلال الذي تلبّس به النّاس اليوم، تغيير هذه الشّرائع وتبديلها، فإنّ أخطر ماتواجهه اليوم أمّة محمّد عليه أفضل الصّلاة والتّسليم، في عصرنا الحاضر، فقدان الذّات، وغياب الأصالة بسبب الانبهار بالمدنيّة الغربيّة، وبسبب فرض مناهج غريبة عن ديننا وعن بيئتنا في ميدان التّربية والتّعليم في بلاد عربيّة منها: الإمارات العربيّة وسورية ولبنان وفلسطين والأردن وعمان ومسقط والأمّة الإسلاميّة كافّة. لذا لابدّ من إعادة صياغة جديدة لمناهج التّربية والتّعليم في بلادنا الإسلاميّة على أساس العقيدة الإسلاميّة السّمحة التي تتميّز بأنّ لها تصوّراًخاصّاًعن الإنسان، والكون والحياة، وهذه الأسس هي مرتكزات التّربية الإسلاميّة، وتظهر جليّة في القرآن الكريم والسّنّة النّبويّة([1]).

فقد شمل القرآن الكريم والسّنّة النّبويّة قيماً تربويّة وخلقيّة في منهاج التّربية الإسلاميّة، فقد ركّز القرآن الكريم في أجزاء مختلفة على بعد الإنسان والكون والحياة، فالدّين الإسلاميّ نظام شامل، متكامل، متوازن، ثابت، لايتغيّر بتغيّر الظّروف والأحوال، وفي الوقت نفسه صالح لكلّ زمان ومكان، ونظراً لأهمّيّة القيم التّربويّة الإسلاميّة، وخطر فقدانها على حياة الفرد ينبغي الاهتمام بها فهي قيم شاملة، ثابتة، متوازنة، ربّانيّة المصدر تستمدّ أهمّيّتها من المصدر الذي تستند إليه وهو كتاب الله تعالى وسنّة نبيّه ([2]).

ثانياً: تعريف القيم لغة قرآناً واصطلاحاً:

ذكر في القرآن الكريم كلمة «قيم» في السّور التّالية:

قال تعالى: {ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُوا فِيهِنَّ} [التّوبة: 36] .

وقال تعالى: {أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} [يوسف: 40] .

وقال تعالى: {…ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ} [الرّوم 30]

وقال تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ} [الروم 43]

وقال تعالى: {قَيِّمًا لِيُنْذِرَ} [الكهف 2]

وقال تعالى: {فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ *} [البيّنة: 3]

وقال تعالى: {وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البيّنة 5]

ومعنى القيّم في سورة الرّوم: أي المستقيم الذي لاعوج فيه عن الحقّ والخير ومحاسن الأخلاق والسّلوك. أي: فأقم وجهك أيّها الإنسان الموضوع في الحياة الدّنيا موضع الابتلاء، واجعله موجّهاً دوماً للدّين القيّم، وهو الدّين الذي اصطفاه الله الرّبّ لعباده، ليؤمنوا به وليعملوا بأحكامه وتعاليمه ماداموا في الحياة الدّنيا.

أي: فاجعل وجهك دوماً موجّهاً للدّين القيّم حتّى آخر رحلة امتحانك في الحياة الدّنيا، من قبل أن يأتي يوم هو يوم الدّين الذي لامردّ له، وهو يأتي من الله جلّ جلاله وعظم سلطانه([3])

أمّا في «لسان العرب» ([4]): فقال: القيم: الاستقامة. وفي حديث: «قل آمنت بالله ثمّ استقم» فُسّر على وجهين قيل: هو الاستقامة على الطّاعة وقيل: هو ترك الشّرك. أبو زيد: أقمت الشّيء وقوّمته فقام بمعنى استقام. وقال في معنى قوله تعالى: {وَلاَ تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا} [النساء: 5] .

وقال الزّجّاج، قرئت: جعل الله لكم قياماً قيماً. قال: وقد يفتح ومعنى الآية: جعلها الله قيّمة الأشياء وفيها تقوم أموركم.

وممّا سبق يتّضح أنّ مادّة «قَوَمَ» استعملت في اللغة لعدّة معانٍ، منها قيمة الشّيء وثمنه. والاستقامة والاعتدال ونظام الأمر وعماده والثّبات والاستمرار ولعلّ أقرب هذه المعاني لموضوع بحثنا هو الثّبات والدّوام والاستمرار ([5]).

أمّا علماء الاجتماع والتّربية فيعرّفون القيم بأنّها محكّات ومقاييس نحكم بها على الأفكار والأشخاص والأشياء والأعمال والموضوعات والمواقف الفرديّة والجماعيّة من حيث حسنها وقيمتها والرّغبة بها، أو من حيث قيمتها وعدم قيمتها وكراهيّتها، أو في منزلة معيّنة مابين الحدّين([6]) .

كما عرّف التّربويّون القيم بتعريفات كثيرة منها:

1 ـ مجموعة من المبادئ والقواعد والمثل العليا التي يؤمن بها النّاس، ويتّفقون عليها فيما بينهم ويتّخذون منها ميزاناً يزنون به أعمالهم، ويحكمون بها على تصرّفاتهم المادّيّة والمعنويّة.

2 ـ مجموعة من الأحكام المعياريّة المتّصلة بمضامين واقعيّة، يتشرّبها الفرد من خلال انفعاله وتفاعله مع المواقف والخبرات المختلفة ويشترط أن تنال هذه الأحكام قبولاً من جماعة اجتماعيّة معيّنة حتّى تتجسّد في سياقات الفرد السّلوكيّة أو اللفظيّة أو اتّجاهاته واهتماماته.

3 ـ قيم المسلم تعني المعتقدات والأحكام التي مصدرها القرآن والسّنّة يتمثّلها ويلتزم بها الإنسان المسلم ومن ثمّ تتحدّد في ضوئها علاقته بربّه واتّجاهه نحو حياته في الآخرة، كما يتحدّد موقفه من بيئته الإنسانيّة والمادّيّة، وبتعبير آخر اتّجاه نحو الحياة الدّنيا، فهي معايير يتقبّلها ويلتزم بها المجتمع المسلم وأعضاؤه من أفراد المسلمين، ومن هنا فهي تشمل وجدانهم وتوجّه سلوكهم على مدى حياتهم لتحقيق أهداف لها جاذبيّتها ويؤمنون بها.

4 ـ ويرى البعض أنها عبارة عن مجموعة الصفات أو السمات التي حث عليها القرآن الكريم والسنة النبوية والتي تحدد شخصية المسلم وفق منهج متكامل، وتنظّم سلوكه وعلاقته بالله والكون وبمجتمعه وبنفسه وتعمل كمعايير، أو أطر مرجعيّة موجّهة للسّلوك ضابطه له ([7]).

ومن خلال التّعريفات السّابقة يمكن استخلاص تعريف مختصر للقيم يشير إلى أنّ القيم عبارة عن معايير وجدانيّة فكريّة يعتقد بها الأفراد. وبموجبها يتعاملون مع الأشياء بالقبول أو الرّفض([8])

ثالثاً: مصادر القيم:

إنّ مصادر القيم الإسلاميّة هي الكتاب والسّنّة باعتبارهما المصدرين الوحيدين لقيم الإسلام وإنّ كون الكتاب والسّنّة المصدرين الوحيدين لقيم الإسلام، يلزم منه أن تكون هذه القيم إلهيّة المصدر وهي بالتّالي مطلقة وثابتة، بخلاف ما لو أردنا أن نبحث في قيم المسلمين أي قيم المجتمعات الإسلاميّة، فمصادرها متعدّدة وهي تختلف من مجتمع مسلم لمجتمع آخر وعلى الرغم من وجود قدر مشترك بينها وتدخل عندئذ العادات والتّقاليد مصدراً للقيم وكذلك البدع وهي عديدة لم تترك مجالاً من مجالات الحياة إلاّ ودخلته وثمّة مصدر آخر من مصادر قيم المسلمين وهو التّشبّه بالأمم الأخرى والاقتباس من مجتمعاتها والتّأثّر بها وبالتّالي تبني قيماً من قيمها([9]).

رابعاً: أسس القيم:

الأسس التي تقوم عليها القيم من خلال تعريفنا «القيم» لغويّاً واصطلاحاً، هو مفهوم القيم المستقاة من القرآن الكريم والسّنّة النّبويّة، قال تعالى: «ذَلِكَ الدِّين القيّمُ»، أي المنهج الرّبّانيّ المستقيم الذي لاميل فيه ولا زيغ عن الحقّ وهو دين الأمّة جماعة، لذا يجب أن تكون الأسس واضحة وضوح المحجّة البيضاء النّقيّة، حين قال رسول الله: «ذروني ما تركتكم على محجّة بيضاء نقيّة، ليلها كنهارها، وإن تمسّكتم بها لن تضلّوا بعدي، كتاب الله وعترتي واتّباع أصحابي وسنّتي»([10]) .

لذا بعد العودة إلى كتاب الله يجب أن تكون الأسس وفق المعنى اللغويّ والاصطلاحيّ لمعنى القيم، وبما أنّ القيم مستقاة من كتاب الله، نجد أنّ الأساس الأوّل الذي خلق لأجله الإنسان عامّة وآدم خاصّة، قول الله تعالى: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً} الهدف في خلق الإنسان على وجه العموم هو الخلافة، ولمّا قبل الإنسان أن يكون أميناً وفق مراد الله الشّرعيّ، مسؤولاً عن فعله لو خالف أمر الله الدّينيّ التّكليفيّ، رفعه الله على كثير ممّن سواه، وفضّله وميّزه وكرّمه، ثمّ استخلفه في أرضه واستأمنه فيها على ملكه، وسخّر له الخلائق من حوله، وجعله مخلوقاً عاقلاً مكلّفاً لا يفعل شيئاً فيما استرعاه إلاّ بالعودة إلى أمره من خلال الرّسالة التي نزلت من السّماء وحمّلها جميع الرّسل والأنبياء([11])

لذا فإنّ تصوّر الخلافة([12]) الذي جاء في القرآن الكريم هو: أنّ كلّ ما يناله الإنسان على وجه الأرض من طاقات وقدرات ليست إلاّ هبة من الله تعالى ولقد جعل الله الإنسان في منزلة يستخدم فيها الهبات والعطايا الممنوحة له من الله في أرضه وفق مرضاة الله، فلا تكون هذه الخلافة خلافة صحيحة مالم تتّبع حكم الله قال تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ فِي الأَرْضِ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلاَ يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلاَّ مَقْتًا وَلاَ يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمُ إِلاَّ خَسَارًا *} [فاطر: 39] .

لذا فإنّ الأسس التي ترتكز عليها القيم. كالتّالي:

1 ـ حاجة الإنسان إلى القيم.

2 ـ حاجة الإنسان إلى معرفة هذه القيم ومصادرها.

3 ـ حاجة الإنسان إلى معرفة مفهوم التّكريم الإلهيّ للإنسان.


([1]) علي سعيد شومان، القيم التّربويّة التي تضمّنها السّؤال في القرآن الكريم، الأردن، جامعة اليرموك، رسالة جامعيّة، 1412 1993م ص2.

([2]) علي سعيد شومان، القيم التّربويّة التي تضمّنها السّؤال في القرآن الكريم، ص4.

([3]) عبدالرّحمن حسن حبنّكة الميدانيّ، معارج التّفكّر ودقائق التّدبّر، دمشق، دار القلم، ط1، 1427هـ، 2006م، المجلّد الخامس عشر ص171.

([4]) العلاّمة أبي الفضل ابن منظور، لسان العرب، بيروت، دار صادر، ط1 1374ه، 1955م، المجلّد الثّاني عشر، ص499، 504 بتصرّف.

([5]) أروى بنت عبدالله محمّد الفقيه، بحث في القيم، المملكة العربيّة السّعوديّة، جامعة الإمام محمّد بن سعود 1430 \1431 ص4.

([6]) ماجد عرسان الكيلانيّ، فلسفة التّربية، دراسة مقارنة بالفلسفات التّربويّة، الأردن، دار الفتح للدّراسات الإسلاميّة ط1 1430هـ 2009م ص427.

([7]) عبدالرّبّ الرّسول مرجع سابق 2004م ص11 ـ 12.

([8]) سميح أبو مغلي وآخرون التّنشئة الاجتماعيّة للطّفل الأردن، دار البازوريّ العلميّة للنّشر والتّوزيع 2002م 2167.

([9]) حافظ عبدالرحمن بشارة تبن، توظيف القيم التربوية الإسلامية في وقاية المجتمع من السلوكيات الخاطئة: دراسة تحليلية على معلمي وطلاب المرحلة الثانوية، رسالة دكتوراه، جامعة أم درمان الإسلامية، 2015، ص30.

([10]) الإمام أحمد في مسنده (4 126).

([11])

([12]) أبو الأعلى المووديّ، الخلافة والملك، الكويت، دار القلم، ط1، 1397هـ، 1978م، ص12 ـ 20 بتصرّف.